حرب أكتوبر 1973 ملحمة العزة والكرامة

 تُعد حرب أكتوبر 1973، والتي تعرف أيضًا باسم حرب العاشر من رمضان، واحدة من أبرز المحطات الفاصلة في التاريخ العربي الحديث. اندلعت هذه الحرب بين مصر وسوريا من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، في السادس من أكتوبر عام 1973، الموافق للعاشر من رمضان عام 1393 هـ، وكانت تهدف إلى استعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب يونيو 1967، وعلى رأسها شبه جزيرة سيناء والجولان.

بدأت الحرب بتنسيق محكم بين الجيشين المصري والسوري، حيث شنّت القوات المسلحة المصرية هجومًا مفاجئًا على خط بارليف الذي أقامته إسرائيل على الضفة الشرقية لقناة السويس، بينما هاجمت القوات السورية مرتفعات الجولان. جاء التوقيت مفاجئًا لإسرائيل، إذ وقع الهجوم في يوم الغفران، أحد أقدس الأيام في التقويم اليهودي، مما أربك القيادة الإسرائيلية وأضعف من جاهزيتها.

استطاع الجيش المصري أن يحقق إنجازًا عسكريًا غير مسبوق في الأيام الأولى من الحرب، حيث تم عبور قناة السويس بنجاح بواسطة قوارب مطاطية، مع استخدام جسور عائمة لعبور الدبابات والمعدات الثقيلة. وتمكن الجنود المصريون من تدمير معظم تحصينات خط بارليف خلال ساعات قليلة، رافعين العلم المصري على الضفة الشرقية من القناة. في الوقت ذاته، أحرز الجيش السوري تقدمًا سريعًا في الجولان قبل أن تتدخل إسرائيل بقوات إضافية مدعومة جوًا وتبدأ هجومًا مضادًا.

استمرت الحرب لمدة 19 يومًا تقريبًا، وشهدت خلالها معارك طاحنة برًا وجوًا، أبرزها معركة "الدفرسوار"، حيث نجحت القوات الإسرائيلية في العبور إلى الضفة الغربية للقناة، مما هدد تطويق الجيش الثالث المصري. وعلى الرغم من هذا الاختراق، فقد ثبت الجيش المصري مواقعه في سيناء، ورفض الانسحاب، مما عزز من موقفه في المفاوضات اللاحقة.

سياسيًا، كانت الحرب نقطة تحول كبيرة. فقد أثبتت أن التفوق الإسرائيلي ليس مطلقًا، وأن الإرادة العربية قادرة على قلب الموازين. كما لعبت الحرب دورًا رئيسيًا في تغيير موقف القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى تحركات دبلوماسية مكثفة نتج عنها في النهاية اتفاقية فض الاشتباك، ثم لاحقًا معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979.

خلفت حرب أكتوبر آثارًا عميقة في الوعي العربي، وأعادت الثقة للجيوش العربية بعد نكسة 1967، ورفعت من مكانة القيادة المصرية في العالم العربي والدولي. كما مثلت الحرب درسًا في أهمية التخطيط، والمفاجأة، والتكامل بين الأفرع العسكرية المختلفة.

في الختام، ستبقى حرب أكتوبر 1973 رمزًا للبطولة والفداء، ودليلًا على أن الأمة العربية قادرة على الصمود والانتصار عندما تتحد وتخطط بإرادة وعزيمة.

تعليقات